الاتحاد الأوروبي والاعتراف بدولة فلسطينية

تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة العديد من الأخبار عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية المرتقبة على حدود عام 1967. وآخرها كان عن مطالبة بعض السياسيين الاتحاد الأوروبي الاعتراف بالدولة الفلسطينية وهذا تماما ما يحدوني لكتابة هذا المقال عن تركيبة الاتحاد الأوروبي، حتى يتسنى لنا التأكد من ضعف احتمالية تحقيق هذه المطالبة السياسية. يتشكل الاتحاد الأوروبي من العديد من المؤسسات الفاعلة التي تكونت بفعل اتحاد 27 دولة أوروبية (حاليا)، وأكثر هذه المؤسسات أهمية هي: أولا: المجلس (The Council) وهو يتكون من 27 عضوا وكل عضو يمثل دولته ومصالحها في المجلس. يحضر اجتماعات المجلس وزير الدولة الممثلة فيما يختص بشأن محدد في كل مرة. أي في اجتماعات المجلس الخاصة بالعلاقات الخارجية، يحضر وزراء خارجية هذه الدول ويمثلون مصالح دولتهم. أما إذا كان الموضوع يختص بالبيئة فيحضر وزير البيئة لكل دولة من الدول الأعضاء هذا الاجتماع وهكذا. وعادة ما يكون التصويت في المجلس بالإجماع. والمجلس هو أحد طرفي متخذي القرارات في الاتحاد إلى جانب البرلمان الأوروبي. ثانيا: البرلمان الأوروبي ( European Parliament) وهو يتكون من 736 عضوا يمثلون 500 مليون مواطن أوروبي في 27 دولة. وقد حقق البرلمان الأوروبي بناء على اتفاقية لشبونة الأخيرة عام 2009 على بغيته كواضع للتشريعات ومصادق عليها تماما كالمجلس. حيث يجب موافقة البرلمان والمجلس سواسية حتى يتم التصديق على القرارات والمشروعات الصادرة عن الاتحاد، ولكن كل هذه القوانين تخضع لمعايير ومقاييس محددة متفق عليها. ويكون التصويت في البرلمان الأوروبي عادة بالأغلبية، حيث تتمثل كل دولة ( حسب حجمها وعدد سكانها مع مراعاة الصغيرة الحجم منها ) بعدد محدد من المقاعد وبالتالي عدد الأصوات. ثالثا: المفوضية الأوروبية (The Commission) وهي تتكون من 27 عضوا من الدول الأعضاء وهم لا يمثلون مصالح دولهم وإنما المصلحة العامة للاتحاد الأوروبي. علما بأن عدد المفوضين خاضع للتغيير والتقليص تحديدا في العام 2014 إذا كان هنالك إجماع من المجلس على ذلك. والمفوضية الأوروبية عادة ما تقوم بالتصويت بنظام الأغلبية البسيطة. والمفوضية الأوروبية تمتاز بأحقيتها شبه الحصرية في تقديم مشاريع القوانين التي يتم المصادقة عليها من قبل متخذي القرارات، ما عدا في مجال السياسات الخارجية للاتحاد فهي لا تملك هذا الحق حاليا (بناء على اتفاقية لشبونه)، ولكن من يملكها هو الممثل السامي للاتحاد لشؤون السياسة الخارجية والأمن والتي تترأسها حاليا السيدة كاثرين آشتون. إن استعراض أهم مؤسسات الاتحاد الأوروبي يساعد على فهم طبيعة عمل هذا الاتحاد وتحديد ماهية وكيفية العلاقة التي يجب أن تنشا معه. ويفيد أيضا في معرفة مراكز صنع القرار الأوروبي وتحديدا في أية مجالات. فالاتحاد الأوروبي ما زال يأخذ كافة قراراته فيما يختص بالسياسات الخارجية للاتحاد عن طريق الإجماع الكامل. فأي دولة من الـ27 دولة ترفض أي قرار سياسي، عليه لا يمكن لهذا القرار أن يمرر. لقد خضع الاتحاد للكثير من التغييرات فيما يختص بآلية اتخاذ القرارات وأيضا المجالات التي تؤخذ فيها وقد تم إخضاع العديد من المجالات الهامة لسلطة الاتحاد الحصرية، ولكن الراسخ الوحيد لغاية الآن والذي تقره اتفاقية لشبونة الأخيرة، هو بقاء السياسة الخارجية للاتحاد بيد وزراء الخارجية ودولهم وليس بيد الاتحاد نفسه. حيث أن العلاقات الخارجية تعتبر من المصالح الحيوية الخاصة بكل دولة على حده والتي لا يجوز المساس بها حتى من الاتحاد نفسه. فلقد حرصت العديد من الدول الأوروبية وخاصة الكبرى منها على بقاء هذه السياسات ضمن مبدأ الإجماع أولا، وثانيا تحت رعاية وعناية الدول الأوروبية الكبرى. وإذا نظرنا بشكل دقيق إلى آلية اتخاذا القرارات وكيفية عملها، نجد أنه من الصعوبة بمكان على الاتحاد الأوروبي أن يقوم باتخاذ قرار مصيري في تحديد سياساته الخارجية كالموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967. حتى إن كان الممثل السامي يؤمن بذلك أو غيره من وزراء الخارجية. فهذا القرار من الصعب عليه بمكان أن يحصل على إجماع 27 دولة وتحديدا بريطانيا العظمى، فبريطانيا دولة تفاخر بتاريخها السياسي وعلاقاتها الخارجية الممتدة، وهي أيضا لا تخرج بتاتا عن العباءة الأمريكية. إلا في حال قررت الدول مجتمعة على إلقاء هذا العبء السياسي على الاتحاد بعيدا عن سياساتها الخارجية وتجنبا للحرج المتمثل في مواجهة أمريكا منفردين، وهذا احتمال بعيد المنال. بناء عليه نجد أنه من الصعب جدا على الاتحاد الأوروبي أن يقبل على مثل هذه الخطوة، وبالتالي سيكون لزاما علينا التوجه إلى سياسة العلاقات الأحادية، أي التوجه إلى كل دولة على حده حتى نتمكن من التأثير على سياسات الدول. وربما يكون البدء بالدول الصغيرة التي اندمجت في الاتحاد عام 2004 بداية جيدة. فهذه الدول مازالت تصارع لتصل إلى مكانتها في الاتحاد وهي دول فرضت عليها الكثير من القيود والقوانين قبل الموافقة على دخولها إلى الاتحاد، مما شكل عبئا حقيقيا على كاهلها وأيضا أكسبها دافعا قويا لتحقيق ذاتها. وقد يكون التوجه إلى الدول الاسكندينافية تحت بند حقوق الإنسان كافيا لمحاولة انتزاع حق الاعتراف المطلوب، فهذه الدول تعتبر أكثر الدول فاعلية فيما يختص بحقوق الإنسان في المجتمع الأوروبي، وهي تسعى دائما لاتخاذ قراراتها تحت هذا البند. أيضا كما لا يمكننا تناسي فرنسا الدولة شبه الرافضة للسياسات الأمريكية والتي تسعى جاهدة لاتخاذ قراراتها منفردة، حيث أنها دولة تعتز بميراثها التاريخي بدءا بالثورة الفرنسية وانتهاء بسياسات الاندماج الخاصة بالمهاجرين. هذه الدولة التي تعتبر من أكبر دول الاتحاد وأكثرها فاعلية والتي سيرت عجلة الاتحاد بالتعاون مع ألمانيا تحديدا، يمكن أن تكون البداية المميزة والفعالة لإنشاء الدولة في حال ضمان الحصول على صوتها. وربما يكون التحرك نحو الجماهير الإيطالية والأسبانية أفضل من التحرك نحو رؤساءها في محاولة لتشكيل جماعات ضغط تقوم بهذه المهمة نيابة عنا. ودعونا لا ننسى النمسا فهي دولة تمتاز بالحيادية الجادة والواعية، وهي دولة تربطها أواصر صلة وثيقة بالعالم العربي والإسلامي وهي تشكل مجمع الثقافات العالمية. إن معرفة السياسات الخارجية لكل دولة من دول الاتحاد الأوروبي وآلية اتخاذ القرارات يسهم في بناء رؤية حقيقية وواضحة المعالم لواقع الأمر، وأيضا يسهم في وضع آليات العمل اللازمة والفاعلة في محاولتنا لإنشاء الدولة وانتزاع اعتراف المجموع الأوروبي بها. إن مطالبتنا يجب أن تنحصر حاليا على الدول منفردة وليس على الاتحاد بحد ذاته، ويجب علينا البدء بتقوية أواصر العلاقات الدبلوماسية والتحركات الرامية لنيل هذا الاعتراف. ولكن هذا لا يعني أبدا إغفال أهمية دور الاتحاد الأوروبي وتحديدا فيما يختص بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والتبادل الثقافي. فالاتحاد يعتبر المساهم الأول في ميزانية السلطة الوطنية الفلسطينية وهو يشكل الأداة الرافعة للاقتصاد الفلسطيني في الوقت الراهن. كما أن كافة القرارات الاقتصادية والمالية تؤخذ على مستوى الاتحاد وبدعم وتوجيه منه، وعليه ربما الأجدر بنا أن نطالب الاتحاد بإنزال العقوبات الاقتصادية على إسرائيل وتحديدا فيما يخص بضائع المستوطنات وليس فقط إبقاء الجمارك على هذه البضائع. كما يمكننا مطالبة البرلمان الأوروبي بإصدار قرار عقوبات اقتصادية على إسرائيل بناء على مخالفتها للعديد من القوانين الخاصة بالاتفاقية الاقتصادية الموقعة بينها وبين الاتحاد وخرق مبادئ حقوق الإنسان. ولعمل هذا تحديدا يجب علينا أن نتوجه إلى الاتحاد الأوروبي والبرلمان تحديدا بقوة رجل واحد وصوت واحد، فالأصوات المتعددة والمختلفة وتشتت الآراء، يمنح إسرائيل الأسبقية والقدرة على التفوق في المحافل الأوروبية. إن التمثيل الواعي للدولة الفلسطينية قد يسهم بشكل فعال في تحقيق غايات وأهداف الدولة، وأولها انتزاع الاعتراف بالدولة الناشئة. والتمثيل الواعي يكون باندراج كافة الأصوات الفلسطينية في الداخل والخارج، العامة والخاصة تحت بندي النظام والمساءلة.

About kholoud Baddar

To be myself as Human and to live in peace. Try to spread the meaning of love and peace. Try to change something in our society or at least in our environment. I believe in the humanism values such as human rights and antidiscrimination. Try to think out of the box in order to reach some answers.
This entry was posted in Uncategorized and tagged , . Bookmark the permalink.

Leave a comment